رحلة إلى الأرض المقدسة

رحلة جديدة إلى البلاد المقدسة تأتي في مرحلة مفصلية من تاريخ المنطقة والأمة والعالم، المرحلة المتوسطة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، المرحلة التي تلت انهيار الدولة العثمانية، ثم نرى تحولات المشهد السياسي والإداري والقومي في قلب ذلك العالم العربي والإسلامي في منطقة الحجاز، العاصمة الدينية للدولة العثمانية، ورمز سيطرتها المعنوية على العالم الإسلامي وما حدث فيها من تغيرات وتحولات. كما نرى هذا التحول الثقافي الحادث في قراءة المذهبية الدينية هناك، فالدعوة الإصلاحية التي بدأها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعرفت في الأدبيات التاريخية بـ "الوهابية"، مع إضافة صفة أخرى إليها وفق رؤية الكاتب، فتارة هي "حركة وهابية"، وتارة هي "مذهب وهابي"، ومرة هي "دعوة وهابية"، ومرة أخرى يأخذ أصحابها لقب "وهابيين" بمدلوله الإثني؛ المذهبي والأيديولوجي. وكاتب هذه الرحلة "مصطفى محمد" رجل مخضرم عايش العهدين العثماني وما بعده، لكنه لا يحمل الأيديولوجية العثمانية المتصوفة، ولا الإيديولوجية الوهابية المضادة لها، إنما هو يتعارض مع الوهابية في بعض المناسبات، حتى يدخل معهم في حوار هادئ لطيف في أحوال عمرانية واجتماعية"، وذلك رغبة منه في طرح وجهة نظره التوفيقية، والإدلاء ببعض المقترحات، و"أمنيات تتمناها في الملك العادل عاهل الوهابيين"، كما ذكر هو في مقدمة رحلته، تلك المقدمة التي لم تتجاوز بضعة أسطر. ترى لغة الكاتب أو أسلوبه كذلك تمثل المرحلة الانتقالية من أسلوب كتابه الرحلات في العصر العثماني، وما حدث من تغير في الأساليب واللغة في العصور التالية.