بوح القلم

في كتاب “بوح القلم”، يفتح الكاتب عبد العزيز بن حسان جنيد دفاتر قلبه، ويسكب عبرها تأملات صادقة، ممزوجة بصدق التجربة، ووهج الإيمان، ونَفَسٍ وجداني عميق. الكتاب لا يتبع نسقًا أكاديميًا أو سردًا روائيًا تقليديًا، بل هو أقرب إلى فسيفساء فكرية من الخواطر والمواقف والدروس التي مر بها الكاتب، وجمعها كما تُجمَع الأحجار الكريمة في صندوقٍ خاص لا يقدّره إلا من يعرف قيمته. من الصفحة الأولى، يبدو أن القلم عند الكاتب ليس مجرد أداة كتابة، بل هو “أنيس”، و”رفيق”، و”سلاح”، و”نافذة تطل على الذات”. ومن خلاله، يتسلل إلى عوالم شديدة الخصوصية، منها ما يعالج قضايا دينية كقيام الليل والخلوة مع الله، ومنها ما يتأمل الحياة، والصبر، والصداقة، والعلم، والزهد، والانتماء، ومحنة الوطن. ينتمي بوح القلم إلى الكتابات التي لا تُقرأ دفعة واحدة، بل تقرأ بتأنٍّ، كأن كل فقرة منها محطة للتفكر أو مناجاة، لا مجرد سطور تُلتهم. وهو ما يُحسب للكاتب، إذ لم يسعَ لأن يبهر القارئ بفذلكة لغوية، بل كسبه بالصدق والدفء. وبالرغم من شحنة المشاعر العالية، إلا أن اللغة كانت متزنة، واضحة، بعيدة عن التكلف، ما جعل النص قريبًا من القارئ، مهما اختلفت خلفيته. من الزوايا اللافتة في الكتاب حديث الكاتب عن العزلة العلمية، وشكواه من غياب المحيط الداعم، وهي تجربة الكثير من الشباب الذين اختاروا طريقًا مختلفًا عن السائد. فقد قدّم صفحات تمزج بين معاناة المجتهد الصامت، وفرحة الاكتشاف، وألم الوحدة، ولذة الإنجاز بعيدًا عن الأضواء. وتجلّت في ذلك نبرة صادقة، تخلو من ادّعاء البطولة أو المظلومية.