على شفا حفرة

في كتابه “على شفا حفرة”, يأخذنا الكاتب عبد الرحمن زهير شحاده في رحلة تأملية عميقة داخل ذاته, تلك الذات التي أصابها الفقد، فاستيقظت لتعيد حسابات العمر والزمن والوجود. هذا العمل ليس رواية ولا سيرة تقليدية، بل هو مزيج من الخاطرة، والاعتراف، والموعظة الوجودية، مكتوب بلغة وجدانية عالية تُخاطب القارئ مباشرة وكأنه شريك في التجربة لا مجرد متلقٍ. من الحافة تبدأ الحكاية الكتاب يدور حول فكرة مركزية: نحن جميعًا على شفا حفرة، حفرة من فقد، أو من قرار مصيري، أو من نهاية غير متوقعة. يستعرض المؤلف كيف قاده الفقد الشخصي — بوفاة والدته — إلى ولادة روحية جديدة، جعلته يعيد بناء وعيه بالحياة، ويُراجع رحلته من الطفولة حتى النضج بعين نقدية مملوءة بالشجن. حفر الحياة ومخاطرها من خلال صفحات الكتاب، يسرد الكاتب سلسلة من “الحفر” التي مر بها — فكرية، نفسية، اجتماعية، ودينية — ويشارك القارئ كيف سقط، وكيف حاول النجاة، وأحيانًا كيف خرج أكثر نضجًا من سقوطه. يوجه النص رسائل واضحة لشباب اليوم: عن خطورة ضياع الوقت، وهموم الغد، وضعف التربية الروحية، والركض وراء المجهول دون بوصلة. لغة شاعرية، روح تربوية الأسلوب أقرب إلى الأدب الصوفي المعاصر؛ نثري لكنه محمّل بصور شعرية عميقة، تلامس القلب والعقل معًا. يعج الكتاب بالاقتباسات المؤثرة والوقفات التأملية التي تصلح أن تُقرأ كل واحدة منها كدرس مستقل. كما يستند المؤلف على الآيات والأحاديث دون تكلف، ليُذيب الإيمان في الحياة اليومية للإنسان. رسالة الكتاب “على شفا حفرة” ليس كتابًا دينيًا وعظيًا بالمعنى التقليدي، بل صرخة صادقة من شابٍ وُلد من جديد بعد أن سقطت عليه الحياة بثقلها. يدعونا جميعًا إلى أن نحاسب أنفسنا قبل أن نُسأل، وأن نراجع أعمارنا قبل أن تنقضي، وأن نغتنم لحظاتنا القليلة الباقية للعودة إلى الله والذات. ⸻ خلاصة: “على شفا حفرة” كتاب يُقرأ بالعقل، ويُحس بالقلب. يصلح أن يكون رفيق تأمل في ليالي الوحدة، أو هدية تحمل قيمة ورسالة لمن يحتاجها. إنه تذكرة مجانية — لكن ثمينة — بأن النجاة تبدأ من الوعي، وأن كل حفرة قد تكون بداية طريق، لا نهاية مطاف.