التطور الدلالي

لا مجال للشك في أن تغير اللغة هو نتيجة حتمية لتغير المجتمع, فاللغة انعكاس مباشر لثقافة المجتمع وسلوكه ونمط تفكيره. فما يطرأ على المجتمع من تغيرات يصحبه أيضًا تغير على مستوى اللغة, ولا يقتصر التغير أو التطور على مستوى من مستوياتها, بل إنه يشمل كل مستوياتها؛ الصوتية, والصرفية, والنحوية, والدلالية, مع الاختلاف في درجة وطرائق ذلك التطور, فالمستوى الدلالي أكثر استجابة وأكثر عرضة للتطور على خلاف بقية المستويات الأخرى, ويرجع السبب في ذلك إلى أن الأصوات والصيغ والتراكيب تجنح إلى مبدأ الاستقرار والثبات, وعلى العكس من ذلك, فإن المفردات تنافي مبدأ الاستقرار والثبات لارتباطها بظروف الحياة المتغيرة. فالألفاظ تتغير والدلالات تتغير أيضًا تبعًا لتغير نمط تفكير الإنسان, إذ لا يمكن أن يبقى نمط التفكير رهين فترة زمنية معينة, ورهين نسق ثقافي أو اجتماعي معين, بل إن نمط التفكير في حركية دائمة, وهذه الحركية أو الديناميكية تستدعي ألفاظًا جديدة ودلالات جديدة أيضًا, مما يطرأ على الفكر يطرأ على اللغة أيضًا.