خانة القلب

خانة القلب إنا لنفرح بالأيام نقطعها، وكل يوم مضى؛ يدني من الأجل، لعلّ ألمَع ما يحضر ببالي الآن أُمي، وصراعاتي وانتصاراتي، وأيامٌ لم أعلم كيفية عبورها؛ إلا حين عبرَت، وأيقنتُ أن المرء بهزائمه كذلك، لا بانتصاراته فقط، هي ليالٍ لا يذكرها أحد، ولا أذكر ‏في أواخرها من رفاق عبورها، إلا بعض المارّة، الذين أعترف أنهم لم يكونوا محض عابرين، بل مِمّن علموني دروسًا لا يقواها إلا مَن كان له توفيق يحالفه، أفكر لو أنّه كُتب لي من العمر ثلاثون سنة، فقد مرت تسع وعشرون، ‏أي لم يبقَ إلا سنة، فلو أن الإنسان يُثمّن دقائق عمرِه، ويُنزِلها منزِلًا عظيمًا لعظيم قدرِها عند ربه؛ لكان حاله غير الحال، وقلبه غير القلب، أجدُني الآن واقفةً فوق كل فشلٍ، وزللٍ وهزيمة، وكل انتصارٍ وتقدمٍ وعزيمة، رتّبتُ كل ذلك، وأحصيتُ منه ما استطعت، حتى إذا نظرتُ إليهم، نظرت ‏نظرة رضى، وتأمُل لعظيم لطف وكرم الله تعالى، ثم إذا وصلتُ أعلاها؛ وقفتُ في استقبال ما بعدها، فإلى كل الخُطوات التي لم تَكمَل بنا طرقُها، ولم تحتفِ بنا دروبُها، لكل الأماكن التي عرفتها، ومررتُها وحيدةً، حتى بعد أن عرفتُها مأهولةً بالرفاق، لكل الأيام، والأوقات، واللحظات، والكلمات المريرة، لكل أصحاب الكلمات الحادّة قبل الليّنة، لكل الذين رحلوا عنّا ورحلنا عنهم، ولكل الماكثين بجوارنا حتى بعد أن أصرّت الدنيا على فُرقَتنا، لكل الساكنين بنا بعد الكثير من التهجير، ولكل من هَجّرنا بعيدًا عن قلبه؛ ثم تركنا نبحثُ الأسباب، ولكل من أسكَنَنا قلبَه، وأنبت في وادينا خُضرة بعد ‏قحط، لكل ذي أملٍ فينا، ولكل من ترك ألمًا فينا، لكل دربٍ خطونا وحيدين؛ فعلّمَنا، ونفعنا، ولكل دربٍ تُرِكنا وحيدين في منتصفه، ولكل ابتسامةِ حبٍ، ونظرة فخرٍ، وإعجابٍ، وتهنئة انتصار، وخفقةِ قلبٍ، ولُقيا ودٍّ، ونظرة حنانٍ، وخطوةِ واثقة نَحوَنا، ونظرة انبهار، لكل همسة عتابٍ، ولحظة صمتٍ، مزعجة، لكل لحظة خوفٍ، ورجفةِ رعب، وربكَة تيهٍ، وهزّةِ صمت، ووجدة خذلان، ودمعة فرح، ودمعة حزن، لكل لحظة أملٍ، وكلمة طمأنينةٍ تُرِكت لنا في ذاكرة طويلة المدى، لكل ذلك وأكثر، ولعلنا لفجاءة الأجل نلقى الله في أي حين، أقول: بقلبي شكرٌ كثيرٌ، وجزيلٌ، وعظيمٌ أن شاركتم في صُنعِنا وأكثر