الجغرافيا والمذهب

لماذا هذا الكتاب ؟ لأن مذاهب الفكر الإسلامي لم تتخذ هيكلا ثابتا ومستقراً، بل مرت بعملية في غاية النشاط والسرعة، وشهدت الفترة الممتدة بين القرنين الرابع والسادس الهجريين أوج نشاط حركة الفكر الإسلامي، حيث إنها الفترة التي نشأت وتطورت فيها العلاقات الإيجابية أو السلبية بين المذاهب وعليه فإنها فترة محورية بالنسبة للعديد من المذاهب. وتعد جغرافية خراسان التي تقع فيها مدن نيسابور ومرو، وهراة، وبلخ من أبرز حواضر الفكر الإسلامي الذي احتضنت هذه المذاهب. تبحث هذه الدراسة وجود مذهب الأشاعرة وتطوره في هذا السياق الجغرافي والزمني. كما تبحث كيف تفاعلت المذاهب الكلامية والصوفية والفقهية في هذه الجغرافية، وما نتج عن هذه التفاعلات من تقوية أواصر مذاهب وأفكار، وزعزعة مذاهب وأفكار أخرى، وكيف كانت صراعات الهوية والانتماء محركا للمياه الراكدة في عالم الأفكار، وكيف تكون العوامل الاجتماعية والسياسية داعما لنشر مذهب، ومقوضًا لدعائم آخر. ولا يقتصر النظر هاهنا على العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية، بل يشتبك بالمسائل وآليات النظر والحجاج، ليرسم صورة أشمل التطور الأشعرية في جغرافية خراسان وما حولها.