النقد الثقافي

يثير مشروع النّقد الثّقافيّ عند عبد الله الغدَّامي وغيره قضايا أساسيّة ثلاثًا: الأولى أنّه خطاب مناقِض ما يُعِد ومنجِز ما يَنفي. وتكمن تلك الأمراض التي حذّر منها وجاء ليكشفها في هذه الإشكالات التي يحملها نفسها. ولا خطر على الثّقافة العربيّة وعلى تكوينها الجماليّ إلّا فيه إن لم يُحسَن توجيهه. لكنّ النقد الثقافي على الرّغم من خطورته صار خطاباً ثقافيّاً متداولاً في ثقافتنا العربيّة، مسرَّباً إلى أعلى تكويناتها العلميّة، المتمثّلة بالجامعة بوجه عام وبالدّراسة الأكاديميّة في مراحلها العليا (الماجستير والدّكتوراه) بوجه خاص. أمّا الثّانية فهي أن طبيعة الأشياء تقول إنّ غوايةَ الهدم أسهلُ من مشقّة البناء؛ وعليه، فإنّ النّقد الثّقافيّ بطبيعته التّكوينيّة الهجينة، وبما يملكه من أدوات وآليّات عملٍ مهولة، يعدُّ معها من أغنى الحقول النّقديّة وأكثرها تشعّباً وأصعبها مراساً، يحتاج إلى مشتغلين قد مكّنتهم خبرتهم من التّعامل مع المناهج السّابقة، وعلى دراية جيّدة بالحقول المعرفيّة المساعدة، وذلك بغية أن تكون نقلتهم نحو النّقد الثّقافيّ، بعد تجاوز ما سبقه، نقلةً متيسّرة وصحيحة، وفيها نوع من الطّمأنينة بقدرة المتنقّل على البناء، من دون خوف عليه وعلى النّصوص التي تحت يديه من غواية الهدم بما فيها من بهرج واستسهال. وأخيراً فإنّ كلّ ما يقوم به النّقد الثّقافيّ لم يُعجز قدرةَ النّقد الأدبيّ عبر تاريخه الطويل، فهي ضمن مناط الأخير وقد عرفها وجرّبها وخبرها؛ وعليه، فالنّقد الثّقافيّ ليس أكثر من تجديد في النّقد الأدبيّ، لم يتجاوز حدود التّجديد الاسميّ، مع بعض الإضافات الأداتيّة التي يمكن أن تكون أدوات أدبيّة من دون أيّ ضجّة أو ضجيج.