ذكريات جلال رحمن عن الخليج العربي: مشاهدات وانطباعات

ذكريات جلال رحمن: مرآة الغربة وأصداء الكفاح في الخليج العربي في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتغيب فيه الأصوات الحقيقية للمغتربين, يأتي كتاب "ذكريات جلال رحمن عن الخليج العربي: مشاهدات وانطباعات" ليكون شهادة حية على تجربة الإنسان المغترب في أرض الخليج. إنه ليس مجرد سرد لمواقف وأحداث, بل وثيقة إنسانية تسلط الضوء على هموم العمالة الوافدة, كفاحها اليومي, وتفاعلها مع المجتمع العربي المضياف. الكتاب الذي أعده جلال رحمن وترجمه ببراعة إلى العربية يوسف صاحب الندوي, يشكل نافذة مفتوحة على حياة الملايين من العمال الذين شدّتهم رياح الغربة إلى بلدان الخليج, حيث الأحلام الكبيرة تتشابك مع تحديات الواقع. يُعدّ هذا الكتاب من أوائل الأعمال الأدبية التي تتناول حياة المغتربين بواقعية موضوعية, حيث لا يكتفي بسرد الحكايات الفردية, بل يغوص في تحليل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه العمالة الوافدة. فهو ليس مجرد مجموعة من الذكريات, بل دراسة سردية تُقدّم تجربة المغترب كظاهرة إنسانية تستحق التأمل والفهم العميق. يعتمد الكاتب على أسلوب يمزج بين السرد القصصي والتحليل الموضوعي, حيث ينقل تجارب المغتربين بأسلوب أدبي مشوّق دون أن يفقد الصدق والشفافية. من خلال هذه المقاربة, يتحول الكتاب إلى عمل توثيقي مهم, يعكس حقيقة واقع المغتربين بعيدًا عن المبالغات أو التحيز. ينقلنا الكاتب عبر صفحات هذا الكتاب إلى عالمٍ نابض بالحياة, حيث نعايش تجارب العمالة الوافدة بكل تفاصيلها. فمن "رحلة من المقصف الكلية", حيث تبدأ القصة بطموح شابٍ بسيط يجد في الكدّ والاجتهاد طريقًا للارتقاء, إلى "ثمار التسامح" التي تبرز الوجه المضيء للمجتمع الخليجي, الذي احتضن المغتربين وأتاح لهم فرص النمو والنجاح. وتستمر الحكايات المؤثرة عبر "ذاكر البنغالي: شعلة التضحية في غربة الصحراء", حيث تتجلى قسوة الحياة ومكابدة العمل في أرضٍ جديدة, ثم نصل إلى "غرباء تحت سقف واحد", الذي يقدم درسًا في التعايش بين ثقافات متعددة تحت ضغط الحاجة والمسؤولية. بينما يحاول بعض الكُتاب تشويه صورة أصحاب العمل والكفلاء, يسير جلال رحمن في اتجاه مختلف, حيث يروي من خلال تجربته الحقيقية أن العرب هم حقًا أهل الفضل والشرف والكرامة. يقدم الكتاب شهادة صادقة على حسن تعامل أهل الخليج مع المغتربين, ويبرز مواقف عديدة تعكس إنسانيتهم وكرمهم, مما يجعل هذا العمل بعيدًا عن الصورة النمطية السلبية التي تروّج لها بعض الأقلام.