رحى بلا طحين

تشتمل هذه المجموعة على عدد من القصص التي تنبض بحسٍ إنساني عالٍ، منها قصة "ليلة فاضت فيها السماء" التي تلامس ببراعة لحظة التماس بين الألم والخلاص، و**"رحي بلا طحين"** التي تشكّل جوهر المجموعة ومحورها الرمزي، حيث تُستحضر معاناة الإنسان في دورته اليومية التي لا تنتهي، في مقابل توقه الصامت إلى المعنى. أما قصة "الهيكل المزدوج"، فهي عمل تأملي بامتياز، ينهض على كثافة رمزية تتقاطع فيها الأسطورة بالسيرة، ويبرز فيها صراع الهوية وتعدد مستويات الذات. وفي "ثوب الصوف"، تكتب الكاتبة عن الذاكرة بما يشبه النَسْج اليدوي، حيث تتداخل الحواس بالزمن، وتغدو قطعة القماش سردًا مضادًا للنسيان. تتميّز المجموعة بتعدّد أصواتها وفضاءاتها، وبقدرتها على التقاط التفاصيل الصغيرة التي تختزل التجربة البشرية في لحظاتها الحاسمة. كما تتسم لغة الكاتبة بالدقة والصفاء، وتذهب بعيدًا في استبطان العوالم الداخلية للشخصيات، دون أن تغفل التفاعل مع السياقات الاجتماعية والثقافية الأوسع. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن هذه المجموعة تُهدى إلى روح شقيق الكاتبة، عبد الرازق صالح بانقا، في لمسة وفاء تنسرب بين السطور، وتضفي على النصوص بُعدًا وجدانيًا عميقًا، يجعل من هذه المجموعة شهادة حية على ارتباط الإبداع بالذاكرة، وعلى حضور الغائب في تفاصيل الحكاية. نضع هذا العمل بين يدي القارئ الكريم، إيمانًا منا بقيمة التجربة، وخصوصية الصوت السردي، وثقة في أن الأدب حين يُكتب بصدق، لا بد أن يجد طريقه إلى القلوب.